تهور جارة السوء يتواصل من أجل معاكسة المغرب

   تصرف النظام الحاكم داخل جارة الشر الغربية في إدارة البلاد داخليا وخارجيا خصوصا مع المغرب يعجز خبراء المنطق السياسي في فهمه؛ لأنه منطق لا يجده حتى صبيان القراصنة، ذلك أن "بلاد تصدير الأزمات" قبل أن تقدم على خطوة تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع الإسبان، والتي هي في الأصل اتفاقية شكلية، تم توقيعها نكاية في المغرب في سياق إقليمي متأزم سنشرحه ضمن تفاصيل هذا المقال، كان القياس يوجب عليها أن تتهور أكثر معها كما فعلت مع المغرب؛ لأنها في النهاية لم تفعل ذلك من أجل كرامتها، وإنما ردا على المغرب باعتباره طرفا أساسيا في هذا النزاع، فهو الذي انتزع اعترافا من الجار الشمالي بالصحراء المغربية.

 هذه الدولة الغبية المتهورة في يوم من الأيام منحت الضوء الأخضر لوزيرة خارجيتها المقالة لايا غونزاليس التكلم باسم الجزائر إبان أزمة بن بطوش، فكيف تحولت الصداقة بهذه السرعة؟

   إن منطق مبتدئي القرصنة سيرا على خطاه مع المغرب كان يقتضي أن تتصرف بغباء مع إسباينا كتصرفها مع المغرب، بل وترد أكثر من ذلك؛ لأن إسبانيا تستفيد استفادة شبه مجانية من خيرات الجزائر الباطنية، فكان عليها أن تقطع الشريان الغازي المباشر الذي يغذي الإقتصاد الإيبيري، أو أن تغلق مجالها الجوي في وجه طائرات الخطوط الإسبانية، أو أن يبادر "لعمامرة" بعقد ندوة صحفية، كما فعل حين قطع العلاقات مع المغرب، يسرد فيها كل الأسباب ضد إسبانيا، بدءا من الحروب التي أدت إلى سقوط الأندلس، ومرورا بمحاكم التفتيش، وهجرة الموريسكيين، إلى آخر تصريح لـ "سانشيز" داخل البرلمان الإسباني الذي كرر فيه موقف بلاده من قضية الصحراء المغربية...، حتى يكون القرار الجزائري الجديد له رجة وتأثير أقوى وتعتبر دولة سيادية لا تطبق ما يملى عليها؛ لأن تجميد معاهدة الصداقة وحسن الجوار ومنع الاستيراد من إسبانيا، هي قرارات لا منطقية تشرحها كلمات أغنية سيدة الغنج اللبنانية، "نانسي عجرم"، التي تقول : "أخصمك آه...، أسيبك لا...، و جوى الروح حتفضل حبيبي اللي أنا بهواااه... أخصمك آآآآه".

   ربطا للأحداث التي جعلت الجزائر تتبجح على إسبانيا إعلاميا وعلنا فقط، بعيدا عن الواقع، نبدأ بالمرتزقة من جمهورية الوهم الناشطين بدرجة أكبر داخل الجار الشمالي، وبما أن إسبانيا تملك الأدلة التاريخية والحقيقية على مغربية الصحراء باعتبارها كانت المستعمر لها في الماضي، إضافة إلى أن هامش المناورة بين النظام الجزائري المستبد المزور والمعارضين الجزائريين في أوروبا  داخل الرقعة الإسبانية سيقل، وهو ما لا يريده النظام المستبد الجزائري، إضافة إلى اصطفاف الاتحاد الأروبي مع إسبانيا، كلها أسباب جعلت رد قصر المرادية شكليا وعلنا فقط.

 نعود إلى القرار لنشرح ما هي معاهدة إتفاقية الصداقة و حسن الجوار التي وقعها الإسبان مع نظام "عبد العزيز بوتفليقة" بشكل سري في أكتوبر سنة 2002، ولم تخرج للوجود إلا أواخر سنة 2010 في الإعلام الإسباني، ولا يزال جزء كبير من بنودها سري إلى اليوم، لأنها وقعت بعد أن حصل الإسبان على الدعم الجزائري في أزمة "جزيرة ليلى" - أو "جزيرة البقدونس" كما يسميها الإسبان- التي وترت العلاقات بين المغرب ومدريد، وكاد الأمر يتحول إلى نزاع مسلح، وانقسم العالم إلى ثلاثة أقسام؛ الأول محايد ويضم باريس وبروكسيل وروسيا، الثاني  يؤيد المغرب ويضم الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية والإمارات، إلى جانب مصر، 

الثالث وهو الداعم ويضم جارتين مسلمتين الجزائر وموريتانيا، إضافة إلى جنوب إفريقيا والبرتغال، وهم الدول الذين قالوا إن الصخرة التي تقع على بضع أمتار من سواحل قرية بليونش هي أرض إسبانية، وإن طلبت منهم الشهادة أمام مجلس الأمن والمحكمة الدولية بلاهاي، فسيفعلون ذلك دعما لإسبانيا، بل جارة السوء الغربية طورت موقفها أكثر وأرسلت وزير خارجيتها حينها لتعرض على الإسبان حينها أي دعم يطلبونه، لكبح استرجاع المغرب أرضه  التي تقع في المياه الإقليمية للمغرب، وفقط لأنها لا تبعد عن السواحل المغربية إلا بأمتار قليلة...، هذا الموقف ثمنه اليمين الإسباني المدعوم من الكنيسة الكاثوليكية، واعتبروه حدثا غير طبيعي بين دولتين مسلمتين، وانقلابا شديدا على كل الروايات التاريخية التي ترعب الأوروبيين بأن الدول العربية والإسلامية أمة واحدة وأشبه بإمبراطورية موحدة، وسعوا بكل جهدهم لتوثيق دعم جارة السوء، فدعوا الجزائر إلى توقيع اتفاقية تحت غطاء الصداقة وحسن الجوار، لكنها في الأصل مجرد اتفاقية لتوثيق العداء بين المغرب وجارة السوء، وانتزاع وعد جزائري للحكومات الإسبانية المتلاحقة بدعمها ومساندتها في كل الخلافات مع المغرب،.

  هذا وقد طالب قصر المرادية بتفعيلها إبان أزمة "بن بطوش" من أجل منحه الرعاية الطبية أثناء مرضه، وبموجبها حصل قائد الوهم على الرعاية الطبية، وخلال ندوة صحفية بين وزيري خارجية البلدين آنذاك، "لايا غونزاليس" و "صبري بوقادوم"، قال هذا الأخير إن الوزيرة الإسبانية لا يمكنها فقط الحديث باسم وزير خارجية الجزائر، بل يمكنها الحديث باسم الجزائر كاملة، كل ذلك من أجل معاكسة المغرب!

      دروس التاريخ مدهشة، لكنها موجعة لمن يكررون الأخطاء بنفس الغباء وبنفس التهور، وعندما أعلنت الجزائر عبر وكالة أنبائها أن الرئاسة قررت تعليق المعاهدة، وأبلغت حسب وسائل إعلام إسبانية حكومة "سانشيز" بهذا الإجراء قبل حوالي 24 ساعة من طرحه للتداول إعلاميا، ردا على تصريحات الناطقة الرسمية باسم الحكومة الإسبانية التي قالت بأن الجميع في إسبانيا فرح بنتائج عودة العلاقات وخارطة الطريق المشتركة مع الرباط...، كما قام رئيس الحكومة الإسباني داخل البرلمان الإيبيري بالرد على جارة السوء بأن العلاقات مع المغرب ودعم الحكم الذاتي هو قرار سيادي إسباني وعلى الجميع الالتزام به.

      لهذا يمكن الخروج بخلاصات سريعة تقول بأن قرارات الجزائر تدار بعشوائية وتلقائية ودائما ما تجد نفسها في وضع لا تحسد عليه، فبعد الصراع مع فرنسا في قضية الذاكرة الجزائرية، وكذا ما أبداه الليبيون من غضب شديد اتجاه التهديدات المتواصلة من الجزائر، وارتجالية تبون المتهورة من إيطاليا على تونس، وضغط الرأي العام المالي على الحكومة لوقف المضايقات العسكرية الجزائرية في شمال مالي، وبدء التيار الموريتاني الذي يرى في المغرب صديقا في الضغط لأجل دفع نواكشوط لدعم "الحكم الذاتي" وفتح قنصلية بإحدى مدن الصحراء المغربية، والتحول الروسي الذي يمنح الرباط منزلة الصديق الذي لا يمكن الإضرار بمصالحه، والدعم الألماني كذلك...، وخسارة جارة السوء لصداقة مدريد، بتعليق الاتفاقية والتي تعتبر هدية للمغرب،  بعدما وجد "سانشيز" نفسه محررا من بنود اتفاقية الصداقة ودون ضغوطات أخلاقية، تفرض عليه الاستجابة لمطالب الجزائر أو تعويضها بمواقف داعمة في بعض القضايا.

 إن إخراج قصر المرادية لمدريد من دائرة الأصدقاء وقبلها فرنسا، ولا ندري مصير إيطاليا بعد الزيارة الأخيرة للوفد البرلماني الذي حمل دعما حكوميا من روما للمغرب في عدة قضايا...، وأيضا خروج مصر بعد الخلاف معها من دائرة الأشقاء، وقبله دول مجلس التعاون وقطر التي سارعت إلى انتزاع الفرصة والحصول على صفقة غاز مربحة مع الإسبان بعد خلاف الجزائر معهم، يجعلنا نجزم بأن تهور قصر المرادية سيجعلها تعيش في عزلة إقليمية ودولية.


 

ليست هناك تعليقات