ضوابط تحقيق المخطوطات



         إن تحقيق المخطوط والاعتناءَ به تراث إسلامي محض؛ إذ التحقيـق هـو مقابلــة   المخطوطات بعضُها ببعض وَفق منهج علمي محدد من أجــل الوصول إلى نتيجــــــة معينة،  ولعل التحقيقَ بهذا المفهوم أولُ من قام به هم المحدثون؛ إذ كثيرا ما نـــدرس  في مباحثهم ضمن ثقافة قراءتهم إلى جانب السماع والعرض، الكتابةُ والإجازة، ولكي تكون خصوصا الإجازة صحيحةً مقبولةً لا بد من مقابلتها مع نسخة المجيز،
          هذا المعطى هو الذي يمارسه اليوم أهل التحقيق لكن مع توسع وجهد أكبــر، وشــأن العلوم أن تتطور وتتوسع.
  فلما خاف أهل التحقيق ضياعَ ما كتبه السلف؛ لكونهم اعتمدوا علــى مـا توفر لديهـم، وهي سبل تقليدية وبدائية، عمِلوا على إخراج ما أنتجه فكر السلف بحلة جديدة ليتمكـن القارئ العربي على وجه الخصوص من تناولها بيسر وسهولة، ليكتمـل الصـرح الــذي بدأه السلف في بناء الحضارة الإسلامية العربية، باعتبارها أمةَ اقرأ، ولم يُترَك التحقيقُ مجردَ ممارسة يستطيع كلُّ أحد أن يقوم به كيفما كانت ثقافته ودرايته، بل وضعوا لذلك ضوابط وقواعد؛ لئلا يدخل من ليس له معرفة بتلك الضوابـط ضمــن خانـة المحققيــن، وكنظرة على بعض هذه الضوابط التي يقتضيها منهــج التحقيــق أضعهـا مجملـة دون تفصيل فيها؛ إذ البيان يحتاج إلى إطناب وجهد أكبر.

ضوابط التحقيق:

أولا: ما هو الكتاب المحقَّق؟
   الكتاب المحقق هو الذي صح عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه، كما نص على ذلك علماء التحقيق، ومنهم المحقق عبد السلام هارون[1] في كتابه تحقيق النصوص ونشرها.

ثانيا: خطوات تحقيق كتب التراث:
  الخطوة الأولي:
  معرفة هل الكتاب المراد تحقيقه حُقق من قبل أم لا، ويعرف ذلك بالكتب التي تنــص على المحقَّق من كتب التراث، فإذا كان الكتاب قد حقق من قبل فيُنظر هل هذه الطبعـة مطابقةٌ لمواصفات التحقيق العلمي أم لا ؟ فإن كانت مطابقةً للتحقيق العلمي الصحيح فالإعراض عنها والاشتغالُ بغيرها أولى.
الخطوة الثانية:
معرفة أماكن نسخ الكتاب المرادِ تحقيقه:
  لابد لمن أراد أن يحقق كتابا أن يعرف أماكن نسخ الكتاب الذي شرع في تحقيقه، وتُرتَّبُ النسخ على حسب النفاسة.
  الخطوة الثالثة:
جمع النسخ المتوفرة أو التي يمكن الحصول عليها من قبل المحقق
 الخطوة الرابعة:
  فحص النسخ، هذه الخطوة مهمة جدا في التحقيق العلمي؛ لأنها تعتمد على الكيان المادي للمخطوط،
والكيانُ المادي يشمل أربعة عناصر:
1- الورق
2- المداد ( الحبر)
3- الخط
4- التجليد
ثالثا: شروط ينبغي أن تتوفر في المحقق:
 1- معرفةٌ تامة بالمصادر والمراجع العامة لتراثنا العظيم، وكيفيةُ الاستفادة منها.
 2-  العلم والخبرة.
 3- العلم باللغة العربية مهما كان تخصص الكتاب، والعلمُ بالموضوع الذي يعالجه المخطوط.
 4- معرفة أسلوب المؤلف وخصائصِه ولوازمِه.
 5-معرفة أنواع الخطوط، ورموزِ الكتابة، وعلاماتِ الاختصارات والإلحاق والإهمال والتمريض والتقديم والتأخير.
 6- الاطلاع على كل ما دار حول الكتاب من شرح واختصار وحاشية وتذييل... إلخ، وأفضل كتاب في ذلك جامعُ الشروح والحواشي لعبد الله الحبشي[2].
 7- القدرة على قراءة الخطوط، فهو من العلوم الأساسية لدراسة المخطوطــــتـات.
 8-  الاطلاع الواسع في العلوم الشرعية، والثقافاتِ الأخرى.
 9- الإلمام بفقه اللغة.
 10- الإتقان لمناهج البحث العلمي، وكذا مناهجُ التحقيق العلمي.
 11- الإدراك لتطور الخط العربي وألوانه عبر العصور المختلفة.
 12- العلم بدلالات الألفاظ.
 13- العلم بنوع المداد والحبر والورَق والخط.



[1] هو عبدالسلام هارون المصري (ت1988م) من مؤلفاته: تحقيق النصوص ونشرها. وقطوف أدبية. وبحوث في اللغة والأدب. وتحقيقات وتنبيهات في معجم لسان العرب
[2] هو عبد الله بن محمد بن علي الحبشي اليمني الحضرمي ولد في جمادى الآخرة، من عام (1368هـ أبريل 1949م) من مؤلفاته: جامع الشروح والحواشي. و تصحيح أخطاء بروكلمان. ومصادر الفكر الإسلامي

ليست هناك تعليقات