كواليس حرب المغرب وألمانيا

 كواليس حرب المغرب وألمانيا

كثيرا ما يتدخل السياسيون والمحللون ويحاولون جاهدا فك الشفرة ووضع اليد على الجرح الذي يكون السبب في كثير من الصراعات، ولأنني مغربي أحب وطني غريزة وطبيعة، ومن شأن تحليلي أن يُمزَج بالعاطفة والميل لصالح وطني، مع أنني سأحاول التجرد من الانتماء،
لا أبالغ أيها أيها القارئ الكريم إن قلت إن الصحراء اليوم لم يعد صراعها بين المغرب والكيان السرطاني الذي وضعته الجارة الشرقية فقط، بل هو أعمق وأكبر من ذلك، فالصراع لم يعد ثلاثيا كما كان في السابق، بل أصبح محل أطماع لكل القوى السياسية والاقتصادية، ولأن السياسة مصالح، فالرئيس الصوري للجارة الشرقية منح كل التنازلات المطلوبة لبلد هيتلر من أجل أن يدوم الصراع، ويتحول إلى صراع الكبار، فالجارة الشرقية مريضة بمرض الإعاقة والجمود السياسي والاقتصادي، لم تعد قادرة على مجاراة المغرب سياسيا واقتصاديا وديبلوماسيا، ولم تعد تملك سوى أبواق الفتنة والكذب والبهتان، لكنها لا تريد أن ترفع راية الاستسلام؛ لأنها أمام عدو أرسى قواعد العداء المقبور بومدين،
ولأن مغرب اليوم اقتصاديا
وسياسيا وديبلوماسيا ليس هو مغرب الماضي، فالجارة الشرقية عندما اعتمدت كليا على الثروة المعدنية لم تكن تدرك العاقبة، بل لقِصَرِ نظرة كهولها وشيوخها أرادت الحفاظ على نفس النمطية في الاقتصاد والسياسة، إلى جانب العداء المطلق لجار طالما مد يده باتجاهها، ولغباء محلليها كانت ترد بالنفي والكبرياء،
اليوم وبعد وقوفها على حافة الانهيار منحت تنازلات مهمة حتى خارج وطنها بليبيا الجريحة، لأحد أكبر القوة الاقتصادية عالميا، والأولى داخل الاتحاد الأروبي بعد خروج بريطانيا.
غاب الرئيس الصوري تبون عن الجارة الشرقية أشهرا تاركا إياها تتخبط في المشاكل، فعاد بمشروع ثوري لكن ليس خدمة لشعبه ووطنه، بل من أجل إعادة تجديد تلك النمطية التي بناها المقبور الإنقلابي بومدين اتجاه من مَدَّه يوما بالمال والسلاح في سبيل إرغام المخرب والمدمر الفرنسي على الخروج،
ولأن المغرب يملك إرثا تاريخيا وحضاريا يشفع له أن يجاري الكبار، على الأقل ديبلوماسيا واستخباراتيا ، فلا مكان لألمانيا في نظره داخل القارة على حساب تقسيم أرضه من بوابته،
لَيُّ الذراع معمول به في السياسة، ولكن في وطن يملك محمدا السادس والحموشي والمنصوري والخيام وبوريطة هو في الحقيقة مجازفة وتهور، لست خبيرا ولا حتى مختصا في الشأن السياسي أو الاقتصادي، لكني كباقي القراء أجمع من هنا وها هنا لأمنح تحليلا معتصرا يتماشى مع إدراكي ويوافق قارئا يقتفي أثر فكري وتفكيري،
أيها القارئ أمنح لك معطيات تحليلي لتقف على مصدر استنتاجي، ثم أنت حر في قبول أو رد ما أزودك به كمعطيات متوَصَّل إليها، ولتحافظ على توازنك في انتقاد أو تتميم أو نسْف ما دونته عن عمق الخلاف المغربي الألماني؛
والذي توصلت إليه استنتاجا من تلك المصادر يثبت أن الصحراء المغربية لم تعد اليوم موطن صراع ثلاثي الأقطاب (المغرب، الكيان الوهمي، الجارة الشرقية) فقط، بل محط أطماع قوى عالمية، كما يثبت أيضا أن المغرب لم تعد تلك الدولة الضعيفة التي يمكن أن تساوم عبر الضغوط و الاستفزازات التقليدية التي ألفها أعداء وحدتنا الترابية،
وأن العالم اليوم يعيش مرحلة تغيير شمولية، وأن من تكهنوا بعالم مختلف ما بعد كورونا، أصابوا نوعا ما في تكهنهم، والواقع هو أدل الأدلة،
وبالعودة إلى أرشيف التاريخ نجد توطئة ما مهَّد له المغرب، ويجني اليوم بعض ثماره، وكأن التاريخ كان ينتظر بزوغ مراوغ محَنَّك يملك مقصين، أحدهما لفتح القنصليات، والٱخر لقطع العلاقات التي يحاول أصحابها مساومة وطننا،
وحتى لا نغرد خارج السرب نعرج على ما أفتى به الرئيس الفرنسي السابق "فاليري جيسكار ديستان" الصحافة عن الدولة العربية الأقرب للحاق بدول أوروبا، فأجاب بأنها المغرب؛
لم يفصح متى وكيف ولماذا...، بعدها بسنوات اقترح الملك "الحسن الثاني" انضمام المغرب لدول الإتحاد الأوروبي، رغم أنه لم يجد ردا،
ليبقى الرد رهينا بإحداث ثورة سياسية واقتصادية وديبلوماسية واستخباراتية...،
وهو ما عملت عليه دولة المغرب منذ ذلك الوقت خصوصا في مجال الاستخبارات والديبلوماسية، اللذين أنجبا بوريطة على رأس الديبلوماسية، والحموشي والمنصوري والخيام على رأس الجهاز الاستخبارتي؛
في ذلك الوقت لم تنتبه دول أوروبا لطموحات المغرب، لهذا لم تُعِرْه أي اهتمام، إلا أنها لم تدر أن المغرب بتلك الحركة رغم تصدعها كانت قد منحت دول الإتحاد الأوروبي إشارة حول وجود طموح مغربي لصناعة مكان له في الخط الأمامي لدول العالم خصوصا الثالث على الأقل، وهو ما جسدته اليوم إلى حد ما استخباراتيا وديبلومسيا، حتى أصبحت تزود أقوى جيش استخباراتي بوجود مرعب يريد أن يحول واشنطن إلى بركة دماء؛
ومن حقك أيها القارئ الكريم أن تتساءل عن العلاقة بين ما ذُكِر و الخلاف الحاصل بين الرباط وبرلين، أجيبك بأن العالم بدأت تظهر فيه قُوى تستمد طموحاتها وتستلهم نفوذها من إرثها التاريخي، المرتبط بما تراه حقها الجغرافي والسياسي، وأهل التاريخ والبحث في الأرشيفات أدرى بما أقصد؛
إن العالم اليوم يريد استرجاع ما أقبره الزمن، ويحاول جاهدا أن يقوم بإحياء الإمبراطوريات القديمة، و أن الأمم التي كان تحكم أجزاء شاسعة من العالم بدأت تحاول إعادة إحياء تاريخها الجغرافي، والدليل أن الصين الآن تعيد بناء طريق الحرير، وتركيا بقيادة أردوغان تحاول إعادة بسط نفوذها على دول كانت تحت سيطرتها في الماضي، ولم تنسحب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي استجابة لمطالب الشعب كما أبدى الإعلام ومعه المحللون السطحيون، بل لأن الأمر يخدم مشروع إحياء الإمبراطورية البحرية البريطانية التي كانت تمتد إلى الهند...،
ولأن المغرب له أساليبه في كشف المخططات؛ لذا رأى لا محيد عن منافسته القوى الجبارة التي تفتك بالصغار وتحاول إزاحتهم من جديد؛
أما الجارة الشرقية فهو يتعامل معها في مثل هذه الملفات كطفل مدلل؛ لأنها ببساطة لا وزن لها حاضرا، ولا تاريخ يشفع لها في تصنيفها ضمن الكبار، وقد ولى زمن البحبوحة البترولية، وأقبره الزمن إلى حين ٱخر إن كانت له عودة؛
ومما يدعم هذا الأمر تناثر أخبار عن مشروع قيد الدراسة بسرية مع أمريكا، وهو إطلاق المغرب لمسبارين إلى القمر والمريخ،
كما أن استثماراته في العمق الإفريقي والزيارات التي قام بها جلالة الملك إلى تلك الدول، وإطلاقه لمشروع القرن (أنبوب الغاز والبترول)، الذي يربط نجيريا بأوربا وجمعه الفرقاء الليبيين فوق ترابه، و دخوله على خط الأزمة بمالي...، كل هذا يقودنا لملاحظة أمر واحد، وهو أن المغرب يسعى جاهدا إلى بناء أمجاد "الإمبراطورية الشريفة".
قد تسخر من هذا التحليل لأن فيه نوعا من المبالغة، خصوصا في ظل التحديات الداخلية (الاجتماعية) التي يعاني منها المغرب، فهو لا يمتلك القدرة على إحياء هذا المجد القديم، كما أن الحدود الحالية يصعب القفز عليها؛ لأن القانون الدولي واضح فيها...، سأجيبك بالاتفاق معك إلى حد ما، لكن فتحا لباب التحليل أكثر أقول: إن المغرب حين سرب - عن قصد- رسالة وزير الخارجية إلى الحكومة المغربية بخصوص وقف التواصل مع السفارة الألمانية، كان يعرف أنه يتحدى رابع أقوى اقتصاد في العالم، والأول في أوروبا بعد خروج بريطانيا، لكنه أيضا يدرك ويعي جيدا أن قوتها الاقتصادية لا تعادل قوتها السياسية، وأنها بدون تأثير سياسي وحتى دبلوماسيا هي محدودة الأثر، والدليل أنها دعت إلى اجتماع أممي لمناقشة قرار الاعتراف الأمريكي وراسلت الرئيس "دونالد ترامب"، ولم تغير أي شيء من واقع الاعتراف، و ضلت كل تحركاتها مجرد تنشيط دبلوماسي في ملف أحكم المغرب إغلاقه، وهذا يجعل من ألمانيا "ماركة" صناعية أكثر منها سياسية.
أكمل الجواب، بقراءة عناوين ما جاء في الصحف المحلية الألمانية وما جاء في الإعلام الأمريكي والإسباني حول الأزمة بين الرباط و برلين...، حيث نشر موقع SPIEGEL الألماني مقالا لاذعا للحكومة الألمانية وجاء فيه :"أن تعليق المغرب للتواصل مع سفارة برلين فاجأ المنظمات الألمانية و في مقدمتها مؤسسة "كونراد أدينازور" التي لم تكن مستعدة لهذه المقاطعة وتعاني من العواقب الأولية لسوء سلوك الحكومة الألمانية مع دولة بقيمة المغرب"، وكتب موقع TICHYS EINBLICK الألماني أيضا: "أن ما قام به بسبب "ماس" وزير الخارجية كارثة : المغرب يقطع علاقاته مع ألمانيا، فيما جاء في الجريدة الأمريكية LOOMBERG: "أن ألمانيا تدفع ثمن نفاق أوروبا اتجاه المغرب"...، كما أرسل الموقع الإسباني EL CONFIDENCIAL مقالا تحذيريا عنونه بقوله: "تعليق المغرب لعلاقاته مع ألمانيا هو تحذير لإسبانيا أيضا"، هذه العناوين ليست اعتباطية، بل لها شرحها الذي يقول بأن المغرب لم يعد كالسابق ديبلوماسيا، وقد تمكن فعلا من عزل ألمانيا نوعا ما بقراره، وربما هذا ما جعل وزير الخارجية الألماني لسفيرة الرباط في محاولة مستعجلة من برلين للتحكم في الأزمة...


كواليس حرب الرباط وبرلين


ليست هناك تعليقات