قراءة في قمة قسمة كعكة برلين2 ونتائجها

 

  لعل قرار الأمم المتحدة واللبيين أنفسهم كاف لإبراز نتائج قمة كعكة برلين بعد انتهائها؛ حيث وصفوها بأنها لم تحقق أي مكسب جديد، بل كل ما فعله المشاركون في هذه القمة أنهم أكدوا ما تم الاتفاق عليه في الجولات التي جرت بالمغرب (ببوزنيقة وطنجة والرباط)

والجديد في هذه القمة أنها كشفت عن أزمة أوروبية أمريكية كانت بعيدة عن الأعين وغير ظاهرة، كما أبرزت دور الأداة الروسية (الجارة الشرقية) المبهم والمشبوه،

من جانب ٱخر وفي ظل حضور علم المغرب يرفرف ببرلين وغياب صاحب المقص الذي أبدله بالشاقور مع الأوربيين أظهرت القمة أن المغرب أصبح يتمتع بوزن دولي، والدليل أن المشاركة العربية لم تؤثر بأي شيء، بل الأكثر أنها كانت عبئا على الليبيين أنفسهم وعلى الأزمة.


 قبل فتح قوس التحليل وجرد مكاسب ومساوئ قمة برلين الثانية، وجب فهم السياقات الكبرى التي أدت إلى رفض المغرب في شخص وزير خارجيتها المشاركة فيها، وأيضا وضع قراءة لزيارة رئيس مجلس النواب الليبي إلى المغرب بالتزامن مع اجتماعات برلين، والسبب الذي جعل أمريكا تسيطر على القمة و تفشل خطط الروس التي لم يطلع عليها أحد، و تفرض ظاهرا إجلاء المرتزقة والشركات الأمنية عن ليبيا، 

وأن نجيب عن سر الجفاء الذي أبان عنه وزير خارجية أمريكا تجاه بلد هيتلر وغيره...، وأخيرا قراءة في تصريحات صاحب المقص بوريطة، وتأثيراتها على القمة وعلى مخرجات قمة قسمة كعكعة برلين الثانية، 


  يكفي في هذا السياق أن نعرج على بعض المصادر ووكالات الأنباء التي غطت الحدث، حيث رأت بأن غياب المغرب تسبب لألمانيا في نوع من الإحراج، خصوصا وأن المستشارة الألمانية، "ميركل"، طلبت من الليبيين إقناع بوريطة بالحضور، وبعد أن تأكد لها غياب الرباط، حاولت الضغط عليه عبر التصريح الذي نشرته وزارة الخارجية الألمانية بخصوص تجميد المنح والمساعدات المالية والتي تبلغ 1.4 مليار دولار، من أجل لي ذراعه وإرغامه على المشاركة، أو على الأقل فتح قنوات الحوار مع برلين التي أصبح أمر الأزمة يؤرقها وتبحث عن إرضاء المغرب، الشيء الذي دفع الصحافة الأوروبية إلى التهكم على المستشار الألمانية ونعتها بصاحبة السياسة الارتجالية التي أيقظت الوجه الخفي للمغرب.

         لم يتوقف إحراج المغرب لبرلين عند هذه النقطة، بل استقبل رئيس مجلس النواب الليبي بالتزامن مع المؤتمر، كي يُفهِم المؤتمرين أن مفاتيح الرأي الليبي توجد في الرباط، وأنهم فقدوا بوصلة حل هذا الملف، ثم قدم وزير خارجية المغرب ندوة صحفية فضح من خلالها نوايا الدول التي تشارك في المؤتمر الألماني، والتي وصفها بالاجتماع على كعكعة لقسمتها، وقد صدق في ذلك، كما أبرز أنه لا يمكن أن يكون الحل لدولة في شمال إفريقيا بيد دولة بعيدة جغرافيا، وثقافتها وبيئتها تختلف كليا عن دولة ليبيا، وأن ما يجري في برلين حاليا هو تكرار لمؤتمرات العاصمة الألمانية أيام التقسيم الإمبريالي للنفوذ في الشرق الأوسط وإفريقيا؛ لأن نفس القوى بنفس الطموح يحضرون مؤتمرا يخص دولة عربية في شمال إفريقية، وإن أبعدت الجارة الشمالية عن القمة، وأن المؤتمر يُعد لهدفين؛ الأول تحديد وجهة الثروات الطبيعية التي لا تريد روسيا أن تصل إلى أوروبا حتى لا يُنافس غازها وبترولها،

 والثاني أن تحصل الشركات الألمانية والفرنسية والإيطالية والتركية على صفقات إعادة الإعمار الدسمة، بينما العرب المشاركون سيكونون "شهود زور" على ديمقراطية التقسيم.

  القمة كذلك كشفت لنا جانبا مظلما بشأن العلاقات الدولية خصوصا الأوروبية – الأمريكية، إذ أبدى وزير الخارجية الأمريكية غضبه من ألمانيا ودول القارة العجوز، وظهر الأمر جليا بعد اعتلائه منصة التصريحات عقب انتهاء الاجتماعات، وكان البروتوكول يقتضي أن يكون السبق للخارجية الألمانية باعتبارها مهيكلة القمة، أو لليبيين أنفسهم أو مشترك بينهما، غير أن الأمريكيين خلال قمة برلين اكتشفوا حجم الضرر الذي أصاب العلاقات الأوروبية - الأمريكية خلال حقبة "ترامب"، الذي يتوقع الجميع عودته في الانتخابات المقبلة بسبب ارتفاع شعبيته مؤخرا، وأن الألمان بدؤوا يفرون من التبعية الأمريكية إلى التبعية الروسية حتى يضمنوا التزود المنتظم بالغاز الروسي وحد أدنى من التوافق حول القضايا الخلافية، وإصرار الألمان على اتفاق الليبيين فوق أراضيهم هو بهدف الحصول على الامتيازات الطاقية، وتأمينا منهم لمصادر التفوق الطاقية، على اعتبار أن برلين تاريخيا لا تثق في موسكو.

    وهنا نعرج على دور الجارة الشرقية التي خرجت من المنطقة الرمادية وتخندقت إلى جانب ألمانيا لسببين:

الأول، نظرا للصراع القائم بين ألمانيا والمغرب،

والثاني: كونها كانت تفكر جديا بل وتريد تمرير إدانة اللواء خليفة حفتر عبر بلد هيتلر بعدما سيطر الجيش الليبي على المناطق الحدودية الغربية مع جارتنا الشرقية وحولها إلى مناطق عسكرية مغلقة...،

 وسبب عجز المؤتمرين في برلين يُفَسرُ باللقاءات التي عقدها الفريق الركن "محمد الحداد"، رئيس أركان الجيش الليبي، خلال مشاركته في تمارين "الأسد الإفريقي" بالمغرب، مع دبلوماسيين مغاربة وأمريكيين، والتنويه الذي حضي به الجيش الليبي في حربه ضد بقايا الجماعات الداعشية في ليبيا.

   فإغلاق تلك الحدود أهان جيش الجارة الشرقية وازدادت حدتها مع تجاهل المؤتمرين لرغبتها في إصدار إدانة للجيش الليبي، واعتبره عدد من النشطاء الليبيين أنه بمثابة رد عملي على تصريحات رئيس الجارة الشرقية "ميسيو تبون" الذي قال: إن جيش دولته كان سيتدخل عسكريا في ليبيا...، والاتفاق السياسي الذي حصل وأدى إلى دمج ميلشيات "حفتر" مع الجيش الليبي، يضع الآن الجارة الشرقية في مأزق حقيقي بسبب مواقفها السابقة، مما يزيد من عزلتها عربيا ودوليا، لتبقى محورا للشر كعادتها.




ليست هناك تعليقات