نظرة على قضية بغاسوس من زاوية أخرى

 

 بعد انهيار جدار برلين و توحيد  الألمانيتين الشرقية والغربية، قررت الدولة الألمانية الجديدة أن تضع الأرشيف المخابراتي لألمانيا الشرقية تحت تصرف الباحثين، مع السماح للمعارضين بالاطلاع على التقارير التي كانت تكتب بشأنهم، وبدافع الفضول حج عدد كبير من الألمان لمعرفة ما كانت تكتبه حولهم الأجهزة السرية الموالية للاتحاد السوفياتي، ليتفاجؤوا أن معظم التقارير كانت تكتبها زوجات المعارضين لصالح الأجهزة السرية و كانت جلها تدين الأزواج وتتهمهم بعدم الولاء للوطن والقيام بأعمال مضرة بالمصالح العليا للبلاد..


قياسا على هذا ، فقضية التجسس  التي فجرها الصحفي "لوران ريشارد"، صاحب منظمة "فوربدن ستوريز"،  بتنسيق مع "منظمة العفو الدولية" (أمنيستي) والتي تناولتها العديد من الصحف العالمية، بدأت تأخذ أبعادا أخرى وعرت عن أوضاع صعبة الفهم أخلاقيا، 

وكأن الرياح قررت أن تهب من جهة الجنوب المتوسطي وأن تسوق ألسنة نار فتنة بيغاسوس إلى وسط أوربا، مع بدأ تحول الفضيحة من قضية صراع جوسسة إلى قضية أخلاقية - تقنية، خصوصا وأن المغرب لجأ إلى القضاء الفرنسي وطالب بالأدلة القضائية عملا بالمبدأ الفقهي: "البينة على من المدعي"، ورغم أن الإعلام في فرنسا بدأ يغير من لهجته اتجاه المغرب، وهو الذي كان ينبح كل يوم نحوه متبنيا موقف دولته الرسمي، و يقلل من هالة الأزمة التي فجرتها لوائح المنظمتين، إلا أن إعلام المغرب رغم نومه وكسله وانشغالاته بالتفاهات لا زال  يطالب بالأدلة و يتهم الثلاثي الأوروبي بالعدوان على المصالح المغربية، في كل المجالات؛ حيث يلمح إلى أن ألمانيا وإسبانية وفرنسا اتحدوا فجأة لضرب منظومته الأمنية، رغبة في إضعاف المغرب ديبلوماسيا، وإعادته بعض الخطوات إلى الوراء؛

ولأن القضية فجرتها منظمة وصحف لا علاقة لها بالمجال الاستخباراتي، ولم تكلف نفسها عناء البحث والتنسيق مع مطوري برنامج بغاسوس حتى لا تقع في التيه، فقد صرح  مدير شركة NSO المطورة لبرنامج التجسس "بيغاسوس"،  الذي قال: إن البرنامج يمكن من مراقبة 100 هدف فقط وأن الشركة تقوم بتثبيت البرنامج فقط ولا شأن لها بالأهداف والاختراقات، وأنها لا توفر خوادم للبرنامج، بل يشتغل بشكل مستقل عن الشركة، كما أن المغرب ليس زبونا لها، ولا يوجد ضمن الدول المقتنية للبرنامج.

   كما أن قيمة البرنامج خلال  سنة   2015 كانت 55 مليون دولار، وأن الشركة قبل إغلاقه نهائيا تقول بأن قيمته كانت على مشارف 150 مليون دولار، حسب المعلومات المتوفرة، 

هنا نفتح قوسا للتساؤلات: 

إذا كان البرنامج حسب ما صرح به مدير شركة NSO نفسه لا يستهدف سوى 100 هدف فقط، فمن أين حصلت منظمة العفو الدولية ومن انساق وراءها على المعطى الذي يقول بأن المغرب يراقب في دولة الطوابير لوحدها حوالي 6000 هدف؟

على فرض صحة ما قالوه وبعملية بسيطة أقول إن مراقبة هذا العدد في دولة الطوابير وحدها فقط يتطلب استثمارا ماليا يصل إلى 9 ملايير دولار، و هذا رقم لا تستطيع حتى فرنسا استثماره لإشباع فضولها والتعرف على أسلوب حياة سفير ابنتها الغير الشرعية في دولة أقبرتها مؤشرات وتصنيفات التنمية.

بعد قوس التساؤل نعرج على قوس الأخلاق في هذه الحملة المسعورة والممنهجة ضد المغرب، وأقول إذا  كانت دولة الكيان الصهيوني المغتصب قد سوقت البرنامج حسب تصريحات مدير شركة NSO المطورة له، إلى كل دول أوروبا وعدد من دول أمريكا وٱسيا وإفريقيا، لماذا يتم التركيز على المغرب دون سواه من الدول المستخدمة له؟ 

أو بصيغة أخرى ما الذي يجعل الدول الأوروبية تهتم كثيرا لهذه التكنولوجيا بعد حيازة  دولة كالمغرب  لها؟ هذا طبعا إن ثبت واقعيا صحة حيازة المغرب لها، وهي التي حمل صاحب المقص المسؤولية لمن فتح هذه القضية وروجها، ووعد بالمتابعة القضائية، وإن كنت أعلم يقينا أن القضية سيقبرها الزمن، خصوصا وأن المتهم العدو اللدود فرنسا،

لقد أربك توعد صاحب المقص  كل من أعلن هذه القضية وأخرجها للوجود، فبدأ معلنو القضية يسابقون الزمن لإثبات ما يراه العالم مستبعدا، ويتجلى سبب استبعاده في كون البرنامج بنفسه لا يعتبر تطبيقا خبيثا، بل طور بلغة رقمية بسيطة، وتتعامل معه أجهزة الهواتف كتطبيق نظيف، علاوة على أن العدوة فرنسا بجيش علمائها وتقنييها و مطوريها، لم تعثر في هاتف الرئيس "ماكرون" على أثر لاستعماله، وقد اتصل الرئيس الفرنسي برئيس وزراء الكيان الصهيوني للتأكد.

بعد هذا التمهيد نصل تخمينا إلى السر وراء تلك الحملة المسعورة التي يمكن وصفها بأنها: عدوان ثلاثي بسلاح الإعلام وحقوق الانسان..، والتي تعود جذورها إلى حدثين هامين:

_ الأول أزمة بن بطوش رئيس قطاع الطرق" التي فجرتها إسبانيا، والتي أكدت أن المغرب يمتلك شبكة أجهزة استخبارتية متطورة قادرة على اختراق الأجهزة الأكثر سرية، خصوصا بعد وصولها للأرشيف الأمني السري الإسباني وإخراج وثيقة تؤكد أن بن بطوش كان عميلا لدى إسبانيا زمن الاحتلال الإسباني للصحراء المغربية، 

_الثاني: أن المغرب أفشل مؤتمر برلين الثاني وكشف جل المخططات الألمانية للسيطرة على مصادر الثروة والطاقة الليبية، ثم خوف ألمانيا المرَضي من صعود دولة افريقية تنتمي للعالم الثالث تضاهيها صناعيا، خصوصا بعد اكتشاف المغرب لجبل "التروبيك"وهو الذي بات يشكل تهديدا لعرش صناعة السيارت الألمانية،  ثم فرنسا التي استاءت من طرد المغرب لشركاتها من المناقصات وعدم منح مؤسساتها التسهيلات التقليدية التي كانت تحصل عليها قبل عشر سنوات، وتفضيلها الشريك الأمريكي عليها إلى جانب شركاء اقتصاديين جدد في مقدمتهم الإيطاليين والصينيين والبريطانيين والأتراك.

كما أن ورقة الضغط التي استخدمها السفير الدائم لدى الأمم المتحدة في وجه سفير دولة الطوابير  باتت تشكل تهديدا حقيقيا لفرنسا وأتباعها إذا ما استيقظت دولة الطوابير وعادت لرشدها لتتوقف عن دعم قطاع الطرق أصحاب الخيم البالية، وفي ذلك خسارة لفرنسا وأتباعها الذين أوجدوا الكيان السرطاني عام 1962م واقتطعوا له من كل الأراضي ليكون شوكة في حلق دول الجوار خصوصا المغرب.

النتائج أعلاه بالنسبة لي ليست مجرد رأي أو تخمين مبني على الهوى، وإنما هي نتائج مبنية على معطيات متوفرة قادتني إلى هذه الأحكام، والأيام كفيلة بإبراز ما إذا كانت صحيحة أم لا.

كما أن الواضح  أن التحالف الثلاثي استثمر العداء القائم بين المغرب ودولة الطوابير للدفع باتجاه  مزيد من التوتر الذي يقود إلى الحرب، بعد استخدامهم للمنظمتين الحقوقيتين من أجل إشعال فتيل الفتنة بين الجارين وقيادتهما لحرب طاحنة، وأيضا خلق نوع من الشك بين نظام المغرب ومؤسساته الأمنية،

 ثم إن الفضيحة تفجرت بعد توقيع الرباط والكيان الصهيوني  اتفاقا للتعاون الأمني السيبيراني، الأمر الذي أزعج أوروبا وجعلها تخشى  من المساواة التقنية الإستخباراتية مع مستعمراتها السابقة، وهي التي سعت وتسعى دوما على التفوق في المجال الاستخبراتي والأمني للحفاظ على الأفضلية، وفقدانها لهذا، قد يزيد من عزيمة المغرب ويجعلها تسعى نحو الريادة في كل المجالات.

...



قد تكون لنا عودة


 




 

ليست هناك تعليقات